وقد اختلف الناس في النفس والروح ، فقال بعضهم : هما شيءٌ واحد مسمى بإسمين . كما يقال : إنسان ورجل . وهما الدم أو متصلان بالدم ، يبطلان بذهابه ،والدليل على أن الميت لا يفقد من جسمه إلا دمه . واحتجوا لذلك أيضاً من اللغة بقول العرب : نفست المرأة إذا حاضت ، ونفست من النفس . وبقولهم للمرأة عند ولادتها : نفساء ، لسيلان النفس ، وهو الدم ، وربما لم يزل جارياً على ألسنة الناس من قولهم : سالت نفسه ، إذا مات . قال الشاعر الجاهلي أوس بن حجر :
نبـئـت أن بنى سحيم أدخلوا أبياتهم تأمور نفس المنذر
والتأمور : الدم . أراد قتلوه ، فأضاف الدم إلى النفس . لاتصالها به . وقال آخرون هما شيئان : فالروح باردة ، والنفس حارة ، ولهذا النفخ يكون الروح ، ولذلك تراه بارداً ، بخلاف النفس من النفس ، فإنه سخين . وسمت العرب النفخ روحاً ، لأنه من الروح . يكون على مذهبهم في تسمية الشيء بما كان متصلاً به وسبباً له ، فيقولون للنبات : ندى ، لأنه بالندى يكون . ويقولون للمطر : سماء ، لأنه من السماء ينزل . قال ذو الرمة غيلان بن عقبة لقادح النار :
فـقلت لـه ارفـعها إليـك وأحيها * * * بـروحـك واجعـلها لهـا قنـية قدرا
يريد أحيها بنفخك . وأنشد بعض البغدادين :
وغــلام أرسـلتـه أمــه * * * باشــحـين وعـقـد مـن مـلـح
تبتغى الروح فأسعفنا بها * * * وشـفـاء ماء عـين فـي قـدح
وهذه امرأة استرقت لولده ، فابتغت الروح ، أي في نفخ الراقي إذا نفث في ماء من ماء العيون وأخذوا النفس من النفس ، وقالوا للنفس نسمة ، يقال : على فلان عتق نسمة أي عتق النفس ، والله عزوجل يقول : (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) . سورة الإسراء : 85 وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن الروح روح الحياة في هذه المواضع ، وذهب بعض المفسرين إلى أن ملك من الملائكة ، يقوم صفاً ، وتقوم الملائكة صفاً ، فإن كان الأمر على ماذكر الأولون ، فكيف يتعاطى علم شيء استأثر الله عز وجل به ، ولم يطلع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد امتحن بالسؤال عنه ، عندما سأله اليهود عن ذلك عن عبدالله بن مسعود قال : بينما أنا أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث وهو متوكأ على عسيب إذ مر اليهود فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح . . . فلم يرد عليهم شيئاً فعلمت أنه يوحى إليه ، فقمت مقامي فلما نزل الوحي قال : (ويسألونك عن الروح) . ليكون له شاهداً ولنبوته علماً